الثلاثاء، 12 يوليو 2016

[فصل مترجم] التهاب العظم والنقي وتموّت العظم الشعاعي



التهاب العظم والنقي وتموّت العظم الشعاعي

التهاب العظم والنقي Osteomyelitis

يعرّف التهاب العظم والنقي بأنّه التهاب في نقيّ العظم مع ميل للتطوّر. وهو ما يميّزه في الفكّ عن الخرّاج السنّي السنخي الواسع الانتشار وعن "السنخ الجاف" وعن التهاب العظم، المشاهدة في حالات الكسور المصابة بالخمج. حيث يشمل الصفائح القشريّة المجاورة وغالبًا ما يتضمّن النسج السمحاقيّة.
في حقبة ما قبل اكتشاف الصادّات الحيويّة، كان التهاب العظم والنقي في الفكّ السفلي شائعًا. ومع وصول الصادّات الحيويّة أصبح مرضًا نادرًا. وفي السنوات الأخيرة أصبحت العقاقير المضادّة للجراثيم أقلّ فعاليّة فنتج عن ذلك ظهور جديد للمرض، مقدّمًا تحدّيات تشخيصيّة وعلاجيّة كبرى بالنّسبة للأطبّاء. فرغم تقدّم المعالجة ما يزال هذا المرض مسبّبًا مهمًّا للوفيّات بين المرضى، ويتطلّب عدّة عمليّات جراحيّة ومعالجة طويلة الأمد مع فقدان للأسنان و/أو عظم الفك.
تحتمل إصابة الفك السفلي بالتهاب العظم والنقي بنسبة أكبر بكثير من العلوي وذلك بسبب طبيعة الصفائح القشريّة الكثيفة وقليلة التوعية وبسبب كون التغذية الدموية تأتي بشكل رئيسي من الحزمة الوعائيّة العصبيّة السنخيّة السفليّة. ويكون أقل شيوعًا في الفكّ العلوي بسبب التروية الدموية الممتازة الآتية من عدّة أوعية مغذّية. يضاف إلى ذلك كون عظم الفكّ العلوي أقل كثافة بكثير من الفك السفلي.

قد تساهم مناعة المضيف الضعيفة، موضعيًّا وجهازيًّا، بشكل مهم بظهور المرض ودخول المريض إلى الشكل السريري من المرض. يرافق التهاب العظم والنقي عدّة أمراض جهازيّة تتضمّن السكّري وحالات المناعة الذاتيّة والخباثة وسوء التغذية ومتلازمة نقص المناعة المكتسب. أمّا الأدوية المرتبطة بالتهاب العظم والنقي فهي الستيروئيدات وأدوية العلاج الكيميائي والبسفوسفونات. كما أنّ الحالات الموضعيّة المؤثرة سلبًا على التروية الدموية قد تؤهّب المضيف لإنتان العظم. فالمعالجة الشعاعيّة والتصخّر العظمي osteopetrosis وأمراض العظم قد تغيّر من التروية الدمويّة للمنطقة وتؤمّن بالتّالي مرتكزَا مهمًّا لنشوء التهاب العظم والنقي (الشكل -1).

الإمراضيّة

في المنطقة الفكيّة الوجهيّة، يحدث التهاب العظم والنقي بشكل رئيسي نتيجة انتشار إنتان سني المنشأ أو نتيجة للرض. يكون التهاب العظم والنقي دموي المنشأ الأولي نادرًا في المنطقة الفكّيّة الوجهيّة، ويحدث بشكل رئيسي عند المرضى الصغار. يبدأ التقدّم البالغ بدخول الجراثيم إلى عظم الفك. قد يحدث ذلك عقب قلع سن أو معالجة لبّيّة أو كسور في الفكّين العلوي والسفلي. يتظاهر الدخول الأوّلي على شكل تطوّر التهاب محرّض بالجراثيم bacteria-induced أو شلال الالتهاب cascade.
عند المضيف الصحيح الطبيعي، تحد هذه العمليّة ذاتيًّا ويحدث الشفاء. ولكن، في بعض الأحيان قد يحدث عند المضيف الطبيعي وبشكل خاص عند المضيف الضعيف كمون لهذه العمليّة بأن تتطوّر إلى نقطة تعتبر فيها حالة مرضيّة. فمع الالتهاب تحدث زيادة في الوارد الدموي واحتقان في المنطقة المصابة. وتنتقل كريّات بيضاء إضافيّة إلى المنطقة لتحارب الإنتان. ويتشكّل القيح عندما يوجد تراكم لفضلات الجراثيم والخلايا لا تمكن إزالته من قبل آليّات دفاع الجسم الطبيعيّة. فعندما يتشكّل القيح وتحدث الاستجابة الالتهابيّة التاليّة له في نقي العظم، يتزايد الضغط داخل النقي ما يقلل من تدفّق الدم إلى المنطقة. يمكن للقيح أن ينتقل عبر أقنية هافرس وفولكمان لينتشر في العظم القشري والاسفنجي. وحالما يخترق القيح العظم القشري  ويتجمّع تحت السمحاق تنخفض التروية الدمويّة للسمحاق ما يفاقم الحالة الموضعيّة. وتحدث النقطة النهائيّة عندما يغادر القيح النسج الرخوة عبر نواسير داخل أو خارج فمويّة.

الأحياء الدقيقة

تمّ تحديد أكثر من 500 صنف جرثوميّ في الفم. فالفم والشرج هما نهايتان متقابلتان لذات الأنبوب الهضمي ويعتبرهما العديد من الأطبّاء المناطق الأكثر تلوّثًا في الجسم البشري. في الماضي، كانت تعتبر المكوّرات العنقوديّة العامل الممرض الأساسي لالتهاب العظم والنقي في الفكّين. ولكن مع تقدّم علم الأحياء الدقيقة، أمكن لنا الحصول على صورة صحيحة للعضويّات المسبّبة للمرض. فبما أنّ المكوّرات العقديّة والجراثيم اللاهوائيّة هي العوامل الممرضة الأساسيّة للإنتانات الفمويّة، تكون الجراثيم اللاهوائيّة المسؤولة هي العصوانيّات bacteroides والعقديات الهضمونيّة peptostreptococi. غالبًا ما يكون الإنتان مختلط المحتوى، حاويًا على عدّة عوامل ممرضة عند الزرع النهائي. فيجب أن يبدأ الطبيب بالمعالجة التجريبيّة بالصادّات الحيويّة حسب أكثر العوامل الممرضة احتمالًا. قد يشمل ذلك وصف البنسلينات والمترونيدازول كمعالجة ثنائية العقاقير dual-drug therapy أو إعطاء الكليندامايسين كمعالجة مفردة  single-drug treatment. أما المعالجة النهائيّة المضادّة للجراثيم فيجب أن تستند على نتائج الزرع الأخير واختبارات التحسس لنحصل على أفضل نتائج التدبير الطبّي.

التصنيف

قُدِّمت العديد من الطرق لتصنيف التهاب العظم والنقي على مرّ السنين. اقترح نظام تصنيف معقّد من قبل Cierny  وزملائه. وصُنِّف التهاب العظم والنقي إلى كونه قيحيًّا supporative أو غير قيحي nonsupporative من قبل Lew  وWaldvogel. ثمّ عُدِّل هذا التصنيف من قبل Topazian. كما صنّف عدّة مؤلّفين التهاب العظم والنقي إلى دموي المنشأ hematogenous أو ثانويًّا لإنتان بؤريّ. واقترح نظام آخر من قبل Hudson حيث قسّم مظاهر التهاب العظم والنقي بشكل أساسي إلى نموذج حاد ومزمن. مع تعدّد أنظمة التصنيف، أصبحت المفارقة لتصنيف التهاب العظم والنقي واضحة.
مع ذلك، ولأجل التبسيط، إن نظام التصنيف المقدّم من قبل Hudson هو الأكثر فائدة للسريريّين. حيث يقسم التهاب العظم والنقي إلى نموذج حاد ومزمن حسب مظاهر المرض لمدّة شهر واحد.

1.      التهاب العظم والنقي الحاد
a.       البؤري المعدي contiguous focus (الشكل -2).
b.      المترقّي
c.       دموي المنشأ
2.      التهاب العظم والنقي المزمن
a.       متعدّد البؤر الناكس (الشكل -3)
b.      التهاب العظم والنقي لغاري.
c.       القيحي واللاقيحي (الشكل -5)
d.      المصلّب (الشكل -6)

المظهر السريري

بشكل متكرر جدًّا، وكما في أيّ إنتان، تظهر هذه الأعراض عند مريض التهاب العظم والنقيّ في المنطقة الفكّيّة الوجهيّة:
·         الألم
·         التورّم والوذمة في النسج المغطّية
·         تضخّم بالعقد اللمفيّة
·         حمّى
·         نَمَل في العصب السنخي السفلي
·         ضزز
·         وهن
·        نواسير
غالبًا ما يوصف الألم في التهاب العظم والنقي بأنّه عميق ومزعج، وغالبًا ما يكون غير متناسب مع الصورة السريريّة. في التهاب العظم والنقي الحاد يشاهد التورّم والوذمة بشكل متكرّر جدًّا في النسج المغطّية، والتي تشير إلى مرحلة الالتهاب الخلوي من العمليّة الالتهابيّة في العظم تحتها. ترافق الحمّى غالبًا التهاب العظم والنقي الحاد، بينما تندر مشاهدتها في التهاب العظم والنقي المزمن. يعتبر نمل العصب السنخي السفلي علامة كلاسيكيّة للضغط على العصب السنخي السفلي من قبل العملية الالتهابية ضمن نقي العظم في الفك السفلي. قد يتواجد الضزز إذا وجدت استجابة التهابيّة في العضلات الماضغة في المنطقة الفكية الوجهيّة. يشعر المريض بشكل متكرّر بالوهن وبشعور بالتعب والإرهاق العام، والتي قد تصاحب أي إنتان جهازي. أخيرًا قد توجد النواسير الداخل والخارج فمويّة بشكل عام في المرحلة المزمنة من التهاب العظم والنقي في المنطقة الفكية الوجهيّة.
غالبًا ما يخضع هؤلاء المرضى لأعمال مخبريّة كجزء من الفحص الأوّلي. في المرحلة الحادّة من التهاب العظم والنقي من الشائع مشاهدة زيادة في عدد الكريّات البيض مع انحراف نحو اليسارleft shift  (أي كثرة بالكريات البيضاء غير الناضجة)، الأمر الشائع حدوثه في أيّ إنتان حاد. بينما لا تعدّ زيادة عدد الكريّات البيض أمرًا شائعًا في المرحلة المزمنة من التهاب العظم والنقي. قد يظهر المريض أيضًا ارتفاعًا بمعدّل تثفّل الكريّات الحمر (ESR) والبروتين المتفاعل C (CRP). يعدّ كلّ من (ESR) و(CRP) مؤشرًا حسّاسًا للغاية للالتهاب في الجسم وهي غير نوعيّة جدًّا. وبالتّالي، تستخدم بشكل أساسي لمتابعة التقدّم السريري لالتهاب العظم والنقي.
جميع المرضى تقريبًا سيخضعون لشكل من التصوير الفكّي الوجهي. فالصورة البانوراميّة لا مفرّ منها للتقييم الأوّلي لالتهاب العظم والنقي. ويمكن الحصول عليها بسهولة في معظم المراكز السنّيّة ويمكن الحصول منها على معلومات قيّمة مثل التغيرات الشعاعية الناتجة عن التهاب العظم والنقي، ومصادر المرض الأساسيّة، والحالات المؤهّبة له كالكسور وأمراض العظم. فيجب الإبقاء في الذهن أن الصور الشعاعيّة تقع خلف المظهر السريري حيث تتطلّب شمول الصفيحة القشريّة لحدوث تغيّر ملحوظ. وبالتالي، قد تستغرق عدّة أسابيع قبل أن تبدأ العلامات العظميّة بالظهور شعاعيًّا. لذلك، من الممكن مشاهدة مريض التهاب عظم ونقي حاد يملك مظهراً طبيعيًّا للعظم في الصورة البانوراميّة. على أي حال، تغلب مشاهدة مظهر (أكل العث moth-eaten) للعظم أو تشظّي العظم، وهو المظهر الكلاسيكي لالتهاب العظم والنقي.
أصبح المسح الطبقي المحوسب (CT) الأساس لتقييم أمراض المركب الوجهي الفكي مثل التهاب العظم والنقي. حيث يؤمن تصويرًا ثلاثي الأبعاد الأمر غير المتوفر في التصوير البانورامي. فيمكن للتصوير الطبقي أن يظهر بشكل عالي الدقة أمورًا مثل التآكل المبكّر للعظم القشري في حالات التهاب العظم والنقي. فيمكن غالبًا مشاهدة امتداد الآفة وشظايا العظم بالإضافة إلى الكسور المرضيّة. يتطلّب التصوير الطبقي المحوسب، مثل الأفلام العاديّة، خسف 30 إلى 50% من معدن العظم لتشاهد التغيرات عليه، الأمر الذي يؤدي لتأخير مهم في تشخيص التهاب العظم والنقي.
التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) يعتبر بشكل عام أعلى قيمة لتقييم آفات النسج الرخوة في المنطقة الفكيّة الوجهيّة. ولكن، يمكن للتصوير بالرنين أن يساعد في التشخيص المبكّر لالتهاب العظم والنقي عبر فقدان إشارة نقي العظم قبل ظهور تآكل الصفيحة القشريّة أو تشظّي العظم. لذلك، قد يفيد التشخيص بالرنين المغناطيسي في تحديد المراحل المبكّرة من التهاب العظم والنقي.
لقد تطوّر الطب النووي ليساعد في تشخيص التهاب العظم والنقي. حيث يعدّ التيكنيتيوم 99 (Technetium 99) العمود الفقري للتصوير النووي في المنطقة الفكيّة الوجهيّة. فالمسح العظمي بالتكنيتيوم 99 حسّاس جدًّا في إظهار مناطق التآكل العظمي المتزايد؛ ولكنّ هذا المسح على أيّ حال لا يحدّد بدقّة مناطق الإنتان. ومع إضافة الغاليوم 67 (gallium 67) أو الإنديوم 11 (indium 11) كعوامل تباين، أصبح بالإمكان تمييز مناطق الإنتان عن مناطق الرض أو الشفاء بعد العمل الجراحي حيث ترتبط هذه العناصر بالكريّات البيضاء بشكل خاص.

المعالجة

يتطلّب تدبير التهاب العظم والنقي في المنطقة الفكيّة الوجهيّة تداخلاً دوائيًّا وجراحيًّا. وفي حالات نادرة من التهاب العظم والنقي الطفلي، قد يفيد إعطاء الصادات الحيويّة وريديًّا في تراجع المرض. إنّ المعالجة بالصادّات الحيويّة نادرًا ما تكون علاجيّة في الحالات المتأخّرة. والغالبيّة العظمى من حالات التهاب العظم والنقي تتطلّب تداخلًا جراحيًّا.
من الواضح أنّ الخطوة الأولى لمعالجة التهاب العظم والنقي هي تشخيص الحالة بشكل صحيح. نحصل على التشخيص البدئي من الفحص السريري والشعاعي والفحص النسيجي. يجب أن يعي الطبيب أن الآفات الخبيثة قد تملك نفس مظاهر التهاب العظم والنقي ويجب إبقاؤها في الذهن عند وضع التشخيص التفريقي إلى أن تستبعد بإجراءات التشريح المرضي النسيجيّة (الشكل -7). يجب أن تُرسل نسج الموقع المصاب إلى المخبر لصبغها بصبغة جرام وزرعها ولإجراء اختبارات الحساسيّة والفحص النسيجي. فالاستجابة السريريّة للمعالجة عند أي مريض قد تتدنّى إذا لم نحسّن من عوامل المضيف إلى أقصى حد. يستطب التقييم والتدبير الطبي لتحديد ومعالجة أي حالة تثبيط مناعي وغالبًا ما يكون ذلك مفيدًا. فعلى سبيل المثال، تجب السيطرة على الغلوكوز عند مريض السكري إلى وضع مستقر لنحصل على أفضل استجابة للمعالجة.
يجب بدء المعالجة التجريبيّة بالصادّات الحيويّة حسب نتائج صبغة جرام للمفرزات أو حسب العوامل الممرضة الأكثر احتمالًا بالتسبّب بالمرض في المنطقة الفكّيّة الوجهيّة. فنتائج الزرع النهائي واختبارات التحسّس تستغرق عدّة أيّام أو أكثر بشكل عام لنحصل عليها ولكنّها قيّمة لتدلّ الجرّاح على الصاد الأمثل اعتمادًا على العضويّات المسبّبة للمرض الخاصّة بالمريض. قد توضّح الاستعانة بقائمة الأمراض المعدية أحدث الصادّات الحيويّة و/أو الأنظمة الدوائيّة المستخدمة.

الخيارات الجراحيّة

المعالجة الكلاسيكيّة هي استئصال الشظايا sequestrectomy والتصحين saucerization. فالهدف هو إزالة الشظايا العظميّة المتموّتة أو قليلة التوعية في منطقة الإصابة وتحسين التدفّق الدموي. تتضمّن عمليّة استئصال الشظايا إزالة القطع العظميّة غير الموعّاة والمؤوفة- أي بشكل عام إزالة الصفائح القشريّة في المنطقة المصابة. أمّا عمليّة التصحين فتتضمن إزالة القشور العظميّة المجاورة للسماح بالشفاء بالمقصد الثاني بعد إزالة العظم المصاب. تتضمّن عمليّة التقشير Decortication إزالة العظم القشري الكثيف وقليل التوعية والمصاب بإنتان مزمن على الأغلب ثم وضع السمحاق الموعّى على العظم الإسفنجي مباشرة للسماح بزيادة التدفق الدموي والشفاء في المنطقة المصابة. يحدد العامل الأساسي في الإجراءات آنفة الذكر سريريًّا وذلك بالقطع حتى الوصول إلى نسيج عظمي نازف بشكل جيد. فالمحاكمة السريريّة أساسيّة في هذه الخطوات ويمكن دعمها بالتصوير قبل العمل الجراحي الذي يظهر مقدار امتداد المرض في العظم. من الضروري في غالب الأحيان إزالة الأسنان المجاورة لمنطقة الإصابة بالتهاب العظم والنقي. وعند إزالة الأسنان والعظم المجاور يجب على الطبيب أن يعي أن هذه الإجراءات الجراحيّة قد تضعف عظم الفك وتؤهب لحدوث كسور مرضيّة (انظر الشكل -6).
تدعم المنطقة الضعيفة في كثير من الأحيان بجهاز مثبّت (مثبّت خارجي أو صفيحة بناء) و/أو يوضع مثبّت للفكين العلوي والسفلي لدى المريض لمنع الكسور المرضيّة. بالطبع، سنقوم أساسًا بتطعيم مثل هذه المناطق عندما تزال كمية معتبرة عند استئصال الشظايا وعمليّة التصحين.
يقترح بعض المؤلفين طرائق معالجة مساعدة بتقديم جرعات عالية من الصادات الحيويّة إلى المنطقة باستخدام خرزات مشبعة بالصاد الحيوي أو أنظمة إرواء الجروح. تستند هذه المعالجات على افتراض أن مستويات الصادات الحيوية موضعيًّا تصبح مرتفعة بينما تكون الجرعة الجهازية الكلّيّة منخفضة، ما يقلّل بالتالي من التأثيرات الجانبيّة المحتملة ومن معدّل الاختلاطات.
كما تطبّق أيضًا المعالجة بالأوكسجين مفرط الضغط Hyperbaric oxygen (HBO) لمعالجة التهاب العظم والنقي المعنّد. تعمل هذه الطريقة على رفع مستويات أكسجة النسج ما قد يفيد بالتخلّص من الجراثيم اللاهوائيّة الموجودة في هذه الجروح. ما يزال استخدام الأوكسجين مفرط الضغط لمعالجة التهاب العظم والنقي محلّ خلاف.
يستخدم قطع العظم بشكل كلاسيكي كملجأ أخير للمعالجة، وذلك بشكل عام بعد بضع عمليات إزالة للشظايا أو بعد معالجة سابقة غير ناجحة أو لإزالة المناطق المشمولة بكسر مرضي. يجرى هذا القطع عمومًا عبر مدخل خارج فموي، ويكون الترميم إما بشكل فوري أو متأخّر بناء على تفضيل الجرّاح. يخفّف التثبيت الداخلي الصلب فترة الشفاء بعد العمل الجراحي إذ يشكّل وسيلة فورية لاستعادة وظيفة الفكّين.

نعتقد أن القطع المبكّر وإعادة بناء العظم يقلّل من مدّة المعالجة. إذ حالما ما يتطوّر النّمل عند المريض في حالات التهاب العظم والنقي في الفك السفلي، يستطب القطع العظمي وإعادة البناء الفوري. فعند هذه النقطة لا نتوقّع المحافظة على الفكّ السفلي -وتجب محاولة تقليل مدّة المرض والمعالجة (الشكل -8).

التموّت العظمي الشعاعي Osteoradionecrosis


تعدّ المعالجة الشعاعيّة وسيلة علاجيّة قيّمة لمعالجة سرطانات الوجه والفكّين. يمكن استخدام المعالجة الشعاعيّة لوحدها أو كمعالجة مساعدة بالمشاركة مع الجراحة والمعالجة الكيميائية. فالمعالجة الشعاعيّة مثلّ أي وسيلة علاجيّة لها آثار جانبيّة ضارّة تتضمّن التهاب المخاطيّة وجفاف الفم. ومن أكثر آثارها الجانبيّة سوءًا التموّت العظمي الشعاعي (ORN). تاريخيًّا، كان يعتقد أنّ تموّت العظم الشعاعي هو مظهر لالتهاب العظم والنقي المحرّض بالأشعّة. ولكن أظهر Marx أنّ تموّت العظم الشعاعي يمثّل جرحاً مزمنًا لا يشفى يتّصف بكونه ناقص التأكسج وقليل الخلايا وقليل التوعية الدمويّة. ولسنوات مضت، كان يستخدم المعالجون أشعّة ذات فولتاج قويم (Orthovoltage) والتي تمتلك احتمالًا أعلى لحدوث التموّت العظمي الشعاعي. بينما يستخدم المعالجون الآن أشعّة ذات فولتاج ميغاوي (Megavoltage)، والتي يعتقد أنّها ألطف على العظم والنسج الرخوة. بالإضافة إلى ذلك، تخفّض عمليّة الإيزاء (collimation) وحجب النسج بالإضافة إلى التقييم السني الحذر قبل العمل الجراحي تخفّض بشكل كبير من احتمال حدوث تموّت العظم الشعاعي. إنّ تأثير الأشعّة يدوم طوال الحياة ولا ينخفض مع مرور الوقت.
ينتج تموّت العظم الشعاعي بشكل أساسي عن الرض في المنطقة المشعّعة، عادةً بعد قلع سن، وقد يحدث أيضًا بشكل عفوي. يتظاهر تموّت العظم الشعاعي في أكثر الحالات على شكل ألم وانكشاف للعظم في المنطقة الفكيّة الوجهيّة (الأشكال -9 و-10). وأكثر ما يشاهد تموّت العظم الشعاعي في الفك السفلي أكثر من العلوي لأسبب وُصِفت في وقت سابق في هذا الفصل. يعتقد أنّ جرعة الإشعاع التي تتجاوز 5000 إلى 6000 راد بشكل عام تجعل الفك السفلي مؤهبًا لتموّت العظم الشعاعي. عند التصوير الشعاعي يبدو تموّت العظم الشعاعي على الصورة البانوراميّة وبالمسح الطبقي المحوري بشكل مشابه لالتهاب العظم والنقي التقليدي مع مناطق انحلال عظمي وشظايا عظميّة. وغالبًا ما يظهر مظهر "أكل العث moth-eaten" على هذه الصور الشعاعيّة.
تتوجّه معالجة تموّت العظم الشعاعي نحو إزالة النسج المتموّتة والسماح للجسم بأن يشفى بنفسه. يجب أن يعي الطبيب دائمًا أن النسج المزالة عند مريض سرطان سابق يجب أن ترسل إلى المشرّح المرضي لاستبعاد آفة خبيثة خفيّة أو نكس للحالة السابقة والتي تختبئ على شكل إنتان عظمي. التنضير البسيط للعظم المكشوف قد ينجح في معظم الحالات البسيطة من تموّت العظم الشعاعي. تستدعي المعالجة الحالية تعزيز استجابة شفاء النسج باستخدام الأوكسجين مفرط الضغط HBO. تتألّف المعالجة بالأوكسجين مفرط الضغط من استخدام الأوكسجين 100% بشكل مضغوط، فالنسج المعالجة بالأوكسجين مفرط الضغط تمتلك مستويات مرتفعة من الأوكسجين، والذي يملك أثرًا سلبيًّا على الجراثيم وأثرًا إيجابيًّا على تكوين الأوعية الدمويّة وارتفاعًا بتدفّق الدم في المنطقة. يستخدم الأوكسجين مفرط الضغط بشكل فعّال لمعالجة التموّت العظمي الشعاعي وكعلاج مساعد في إجراءات إعادة البناء في المنطقة الفكّيّة الوجهيّة مثل قلع الأسنان والزرعات السنّيّة وإعادة بناء الفك عند المريض المشعّع.
تتألّف المعالجة بالأوكسجين مفرط الضغط من جلسات علاجيّة مدّتها 90 دقيقة بضغط يبلغ 2.4 جو. تجرى 20 إلى 30 جلسة قبل أي تداخل جراحي. ثمّ تنضّر منطقة التموّت العظمي الشعاعي وتتبع بـ10 جلسات إضافيّة للأوكسجين مفرط الضغط. تعتمد إعادة بناء المنطقة الفكيّة الوجهيّة على استجابة المريض لبروتوكول المعالجة. المعالجة بالأوكسجين مفرط الضغط مكلفة والمنشآت التي تجريها نادرة على الأغلب، ومتوفّرة فقط في المدن الكبيرة ذات المراكز الطبّيّة أو مراكز العلوم الصحّيّة الأكاديميّة.
ومع إضافة الجراحة الوعائيّة المجهريّة إلى التجهيزات الجراحيّة، أصبحت الآن خيارًا جراحيًّا ممتازًا لمعالجة مرضى التموّت العظمي الشعاعي. إذ تسمح الجراحة الوعائيّة المجهريّة (الشرائح الحرّة) للجرّاح بجلب نسج صلبة او رخوة تمتلك ترويتها الدموية المستقلّة. فعظم الشظيّة والعرف الحرقفي ولوح الكتف وعظم الكعبرة تشكّل جميعًا مناطق معطية. يعد استخدام عظم الشظيّة شائعًا جدًّا لإعادة البناء في المنطقة الفكّيّة الوجهيّة حيث يمكن للجرّاح أن يحصل على طول ممتاز من العظم يمكن قطعه وتشكيله على شكل فكّ سفليّ جديد.
كما توجد كتلة جلديّة ممتازة لتأمين تغطية النسج الرخوة (انظر الشكل -7). تدك الشريحة الوعائيّة المجهريّة إلى أوعية الوجه أو الشريان السباتي ونظام الوريد الوداجي لتأمين التغذية الدموية والتصريف. الفائدة السريريّة من الجراحة الوعائيّة المجهريّة هي أن الجراح ليس عليه أن يعتمد على السرير المستقبل الضعيف الناتج عن المعالجة الشعاعيّة أو الفاقد للنسج الرخوة، والذي غالبًا ما ينتج عقب جراحة استئصال السرطان. كما أن المعالجة بالأوكسجين مفرط الضغط ليست ضروريّة مع استخدام الجراحة الوعائيّة المجهريّة. وأخيرًا تستخدم إعادة البناء بالزرعات السنّيّة مع تقنيات نقل النسج الحرّة وأثبتت نجاحها لإعادة التأهيل السنّي عند هؤلاء المرضى.

الخاتمة

يشكّل التهاب العظم والنقي والتموّت العظمي الشعاعي مسلسلًا سريريًّا صعب التدبير. سيتلقّى العديد من المرضى معالجة مشتركة بين الجراحة والأدوية للوصول إلى الشفاء الكافي من هذه الأمراض. ستتطلّب حالة بعض المرضى الخضوع لمعالجة جراحيّة واسعة ومدمّرة لتدبير المرض. يتضمّن التدبير السريري المعالجة بالصادّات الحيويّة والمعالجة بالأوكسجين مفرط الضغط والتي قد تكون مرتفعة الثمن ومستهلكة للوقت ومهدّدة لحياة المريض.
وكلا هاتين الحالتين قد تبدأ من أمر بريء وشائع كالقلع السنّي.
يجب على الأطبّاء دومًا أن يكونوا يقظين للاختلاطات التالية للمعالجة والتي تتضمّن التهاب العظم والنقي والتموّت العظمي الشعاعي. فبرغم تطوّر أساليب المعالجة الطبّيّة والجراحيّ لم نستطع الوصول إلى الإجابة النهائيّة للوقاية و/أو التدبير الفموي لالتهاب العظم والنقي والتموّت العظمي الشعاعي.

المصدر: 

Peterson's Principles of oral and maxillofacial surgery - second edition

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق