الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

[فصلٌ مترجم] حالة سريريّة: ألم بعد القلع

حالة سريريّة: ألم بعد القلع Pain after extraction

ملخّص الحالة

حضرت امرأة تبلغ من العمر 36 عامًا بألم شديد بعد أيّام قليلة من قلع أحد أسنانها. ما السّبب وما التّدبير المناسب للحالة؟

القصّة

الشّكوى

تشتكي المريضة من ألمٍ شديدٍ في سنخ سنّ مقلوع حديثًا في الجهة اليسرى من فكّها السّفليّ. الألم موضّع في السّنخ، كما أنّه ليس حسّاسًّا للحرارة ولا البرودة. يتّصف بأنّه ألم مستمر، مبهم، مزعج لا يسكن بالأسبرين ولا بالباراسيتامول. ويمنع المريضة من نشاطاتها الطبيعيّة كما يمنعها من النوم.

القصّة المرضيّة

خضعت المريضة لإزالة جراحيّة للرّحى الثّالثة السّفليّة اليسرى منذ أربعة أيّام. وقد كان القلع أصعب مما توقّع الطبيب إذ تطلّب  محاولات متكرّرة لاستخدام الروافع وإزالة كميّة قليلة من العظم بالسّنبلة. بعد القلع، توقّف النزف بشكل طبيعي. موقع القلع بقي مُمِضًّا ولكن يبدو بأنّه يشفى ببطء إلى أن ابتدأ الألم البارحة. ومن وقتها أحسّت المريضة بوجود بخر وطعم سيئ.

القصّة الطّبّيّة

عدا ما سبق، المريضة بصحّة جيّدة. تتناول فقط عقارًا فمويًّا لمنع الحمل. ولم تكشف القصّة الطبّيّة عن موجودات إيجابيّة أخرى.

الفحص

الفحص خارج الفمويّ

يوجد لدى المريضة تورّم خارج فمويّ معتدل في النسخ الرّخوة الوجهيّة في المنطقة قرب سنخ القلع مع بعض التلوّن المبكّر في الجلد بسبب الكدمة الجراحيّة. كما تعاني من الضّزز إذ تستطيع فتح الفم إلى مسافة تُقدّر بين القواطع بـ 22ملم فقط. لا يمكن جسّ العقد اللمفيّة في السلسلة الرّقبيّة العميقة ولا في المثلث تحت الفكّ السّفليّ.

الفحص داخل الفمويّ

يمكن ملاحظة الأبخرة سيّئة الرائحة. يظهر السّنخ في (الصّورة – 1). لا يتضمّن سنخ الرّحى الثّالثة السّفليّة اليسرى أيّ نسج، بل يحتوي فقط على بقايا طعاميّة. النّسج الرّخوة المحيطة متورّمة قليلًا ولكن لا يمكن اعتبارها ملتهبة من حيث درجة احمرارها.

التّشخيص

بناءً على المعلومات المذكورة، ما الّتشخيص الأرجح للحالة؟

التّشخيص الأرجح هو التهاب السّنخ الجاف Dry socket
إذ تعد قصّة الألم الشّديد المستمرّ الموضّع في سنخ السن وظهور هذا الألم بعد القلع بـ3-5 أيّام، خصوصًا وأن القلع رضّيّ، كلّ ذلك نموذجيًّا للحالة. كما أنّ  غياب الالتهاب الموضعيّ والعقد اللّمفيّة المتضخّمة يتوافق مع التّشخيص وينفي وجود الإنتان بعد القلع سواءً في العظم أو في النّسج الرّخوة.
يؤكّد التشخيص بالمعاينة إذ يظهر فقدان العلقة الدّموية من السّنخ. في الحالات الشّديدة يكون العظم في جدران السّنخ منكشفًا، تمكن مشاهدة العظم في الحافّة الوحشيّة للسنخ في (الصّورة – 1).
أمّا الأبخرة الكريهة فهي ناتجة عن البقايا الطعاميّة المتبقيّة في السّنخ والتي تحللت بفعل الجراثيم اللّاهوائية جزئيًّا. أمّا الضزز الذي تعاني منه المريضة فيتعلّق بشكل شبه مؤكّد بالرّضّ الجراحي الحادث أثناء القلع.

ما هي الأسباب الأخرى التي تؤدّي لألم تالٍ للقلع؟ وهل يحتمل أن تكون سببًا للحالة المدروسة؟

  • الألم التّالي الرّض الجراحي للنّسج يجب أن يؤخذ بالاعتبار عندما يكون القلع صعبًا. ولكن الألم يبدأ مباشرةً بعد استعادة الإحساس في المنطقة ويستجيب للمسكّنات. يكون المضض مميّزًا للحالة فلا يوجد ألم عفويّ.
  • التهاب العظم والنقيّ تعتبر هذه الحالة نادرة ولكن يجب أخذها بالاعتبار لشدّتها وصعوبة علاجها، وخصوصًا إذا شُخٍّصت بشكل متأخّر. وتسبب ألمًا مبهمًا، لا يختلف عن ألم السنخ الجاف، ولكنّه يخالفه بأنّ الألم ليس موضّعًا بشكل جيّد. يشاهد التهاب العظم والنقي بشكل شبه حصريّ عند المرضى مثبّطي المناعة أو الّذين لديهم تصلّب في عظام الفكّين. عادةً ما يستغرق عدّة أسابيع ليمكن تأكيده.
  • كسر الفك السفلي وهو اختلاط نادر جدًّا للقلع. يمكن أخذه بالاعتبار إذا ظهر التورّم والكدمة بعد القلع. يؤكّد الكسر سريريًّا عادةً إذا كان متبدّلًا.
  • شظايا متبقيّة من جذر السّن نادرًا ما تكون سببًا للألم طويل الأمد رغم أنّ الرضّ الجراحي للقلع الفاشل قد يسبب ألمًا. لا تشاهد الشّظايا الجذرية بشكل دائم في حالة السّنخ الجاف.
لا تنسجم أيّ من الحالات سابقة الذكر مع الأعراض أو العلامات المشاهدة عند المريضة مثلما اتّفق التهاب السّنخ الجاف.

ما هي الاستقصاءات التي ستجريها؟

في هذه المرحلة، تتفق القصّة والفحص بشكل تامّ مع التّشخيص ولا يستطب إجراء أيّ استقصاءٍ إضافيّ. إذا وجدت علامات لوجود إنتان فإن زرع القيح واختبارات الحساسيّة للصادّات ستكون ضروريّة ويجب قياس الحرارة. الصّور الشّعاعيّة لا تفيد في هذه الحالة إلّا إذا شككنا بوجود شظيّة جذريّة لا يمكن رؤيتها أو جسّها. حتى لو اشتبهنا بوجود التهاب عظم ونقيّ فإنّ التصوير الشعاعيّ لن يعطي معلومات مفيدة لأنّ التغيّرات الشعاعيّة المميّزة للمرض تستغرق وقتًا لتظهر.

ما هو التهاب السّنخ الجاف؟

تحدث هذه الحالة عند فقدان العلقة الدّمويّة قبل أن تتمكّن من الثّبات بنمو النّسيج الحُبيبيّ.
فيستعمَر سطح العظم المنكشف في هذه الحالة بالجراثيم اللاهوائيّة والمُلتويات مع حدوث تموّت سطحيّ جزئيّ فيه. يعتقد بأنّ فقدان الخثرة الدمويّة ناتج عن انحلال الألياف الشّديد بسبب الجراثيم والعوامل النّسيجيّة الموضعيّة واللعابيّة.
فبغياب هذه الخثرة الدّمويّة يتأخّر الشّفاء لأنّ النّسج الرّخوة سيتوجّب عليها أن تنمو الآن من الحافّة اللثويّة لتغطّي العظم وتملأ السّنخ.

ما هي العوامل المؤهّبة لحدوث التهاب السّنخ الجاف؟

عوامل الخطورة المرافقة لتطوّر التهاب السّنخ الجاف موضّحة في (الجدول – 1).

المعالجة

ما هو علاجك لهذه المريضة؟

يجب التّأكيد على المريضة أنّ رغم ألمها الشّديد لا تُعتبر هذه الحالة عقبولًا خطيرًا للقلع. ويجب إعلامها أنّ السّنخ سيشفى بشكل طبيعيّ ولكن أبطأ من المعتاد وباّنه يمكن تقديم المعالجة المسكّّنة للألم طوال مدّة الشّفاء، وبأنّها يجب أن تراجع العيادة عدّة مرّات لتلقّي المعالجة.

المعالجة الموضعيّة للسّنخ هي الإجراء الأكثر فعاليّة؛ يُروى السّنخ بلطف بالسّالين الدّافئ أو بكلورالهكسيدين 0.12% لإزالة البقايا منه. يوضع ضماد في فوهة السّنخ لمنع تجمّع المزيد من الطّعام.
تتوفّر ضمادات مناسبة عديدة بعضها مواد ممتصّة وأخرى مطهّرة وثالثة مسكّنة. بالممارسة وُجدَ أنّ جميع هذه الضمادات تقريبًا مُرضِية إذا استخدمت بشكل مناسب واستبدلت كلّما تطلّبت الحالة ذلك. يجب الانتباه إلى عدم ملء السنخ بكامله بالضماد لأنّ ذلك سيمنع امتلاءه بالنسيج الحبيبي مع تقدّم عمليّة الشفاء.
يعتبر التّنظيف الفعّال للسّنخ والعناية بنظافته أكثر أهمّيّة من نوع الضّماد المستخدم، يجب استدعاء المريض كلّ يومين لإعادة العلاج إذا وُجدت ضرورة.
في الحالات الشّديدة يكون تطبيق الضّماد يوميًّا مناسبًا في البداية، ومع شفاء السّنخ وانخفاض شدّة الألم يمكن إطالة المدّة لتكرار الضّماد. يجب مراقبة الضّزز إذ يجب أن ينخفض أيضًا.

ما هي الأدويّة التي ستصفها في هذه الحالة؟

يجب عدم إعطاء الصادّات الحيويّة لأنّها غير فعّالة. المسكّنات أيضًا غير فعّالة إذا وصفت بغياب الإجراءات الموضعيّة.
مضادات الالتهاب غير الستيروئيديّة كافية في معظم الحالات. يُعدّ الألم الناتج عن السّنخ الجاف شهيرًا ففي الماضي كانت توصف الأدوية المراقبة [أي الأدوية الّتي يُخشى من إساءة استعمالها، المورفين مثلًا - المُترجِم]. هذا الإجراء مبرّر في بعض الأحيان ولكن يجب أخذه بعين الاعتبار.

ما هي السرعة التي سيسكن بها الألم؟

يلاحظ تحسّن الأعراض عادةً خلال دقائق وحتّى ساعة، ويكون التحسّن أسرع إذا احتوى الضّماد المستخدم على مخدّر موضعيّ. قد يبدأ الألم مرّة أخرى بعد يوم أو اثنين من وضع الضّماد، وترتفع شدّته بالتدريج. وبعد بضعة أيّام سيقلّ الألم وقد يصبح عندها تبديل الضّماد إجراءً غير ضروريّ. وبعد حوالي 10 أيّام يجب أن يمتلئ السّنخ بالنسيج ومن المحتمل أن يكون خاليًا من الأعراض خلال الأيام الأخيرة من عمليّة الشّفاء.

ماذا لو استمّرت الحالة لمدّة أطول مما ذكر، أو ظهر أنّها تزداد سوءًا؟

إنّ الفشل في المعالجة على المدى الأطول عادةً ما يشير إلى وجود شظيّة صغيرة متموّتة من الصّفيحة القاسية أو شظيّة جذريّة. وهي من العقابيل الطّبيعيّة للقلع وعادةّ ما تمتصّ بعمليّة إعادة التّرميم أثناء الشفاء.
يجب أخذ الصّور الشّعاعيّة حول الذّرويّة لأنّ هذه الصور فقط تمتلك الدّقّة المطلوبة لرؤية الشّظايا الصّغيرة والتي قد تبلغ في حجمها أقل من نصف ميليمتر. أحيانًا، قد تشاهد شظايا الصّفيحة القاسية الأكبر حجمًا شعاعيًّا. إذا ترافقت مع أعراض ولم تمتص، فعندها تكون الإزالة الجراحيّة ضروريّة لها. بالممارسة وُجد أنّ هذه المداخلة نادرًا جدًّا ما تكون ضروريّة، وتكون الشّظايا صغيرةً عادةً وتزول دون أن تلاحظ.
يجب مراجعة التّشخيص والصّور الشعاعيّة لاستبعاد بقيّة أسباب الألم. ففي حالة تغيّر طبيعة الألم أو أنّ المريض يعاني من أيّ حالة تؤهّب لالتهاب العظم والنّقي (تصلّب العظم الموضّع، أو حدوث تثبيط مناعيّ مرضيّ أو علاجيّ، أو الأدوية الحاوية على الـbisphosphonate) يجب الاستقصاء بدقّة عن احتمال الإصابة بالتهاب العظم والنقي.

المصدر:

Odell, Edward W (2010), Clinical Problem Solving in Dentistry, third edition, Elsevier


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق